loader image
سيريا مورس - صوت أمريكي بتردد سوري
Sunday, October 12, 2025
سيريا مورس - صوت أمريكي بتردد سوري
الرئيسيةسوريادمشقالموازييك .. فن دمشقي عريق يواجه تحديات كبيرة  

الموازييك .. فن دمشقي عريق يواجه تحديات كبيرة  

المدن التاريخية القديمة.. لها تراث عريق وحضارة وروح .. تتجلى في المباني والآثار والحرف اليدوية التقليدية والفلكلورية.. التي تستمر وتتطور وتتجدد مع مرور الزمن..

وتعتبر صناعة الموزاييك الدمشقي من أعرق المهن التي اشتهرت بها العاصمة السورية الفيحاء وهي مستمرة ومتجددة حتى الآن، هذا الفن اليدوي الشامي الأصيل الذي يشمل تطعيم الخشب والحفر عليه يعد “عميد” جميع الفنون اليدوية، كما ارتبطت به كثير من أنماط العمارة الشامية من قصور وحمامات ومساجد وخانات ومكتبات عامة وبيوت.

تاريخ هذه الحرفة يعود إلى قرابة الألف عام، وازداد نشاطه في الفترة العثمانية، حيث تم نقل حرفيي الشام إلى العاصمة آنذاك “الأستانة” ورغم ذلك استمرت صناعتها في موطنها الأصلي دمشق حيث كانت على مر التاريخ تصدر أهم حرفيي هذه المهنة.

تدخل في صناعة “الموزاييك” أنواع مختلفة من الخشب، وجميعها متوفرة في سوريا ولا تحتاج إلى استيراد مثل خشب الجوز والليمون والزيتون والكينا، حيث تختلف ألوان الخشب بين الأسود في خشب الجوز والأحمر في الكينا والخمري من الورد واللون الأبيض من الصدف، وتصنع وتصف هذه القطع بأشكال هندسية وبدقة عالية وإن تصميم أي شكل ربما يحتاج أياما بيد الحرفي وهو يعد لصناعة هذه اللوحات الأخاذة

يقول المعلم السبعيني من العمر أبو فهد الشيخ خالد بحديث لـ “سيريا مورس”: إن فن تطعيم الخشب بالصدف، أو ما يسمى الموزاييك، يعتمد على إدخال مادة الصدف إلى جزيئات من أنواع خشبية مختلفة، وهي حرفة ومهارة يدوية بحتة، فبعد أن يتم تقطيع الخشب إلى أعواد صغيرة تشكل في ربطها حزمة من أنواع وألوان مختلفة يتم تقطيعها بشكل شرائح تجمع إلى بعضها لتشكل الشكل المطلوب، بحيث تجمع في القطعة الواحدة شرائح عديدة على شكل مربعات أو مثلثات أو صدف لتشكل لوحة فسيفساء رائعة الجمال.

تاريخيا، يعتبر جرجي البيطار أول من ابتكر هذه الصناعة في العصر الحديث، عندما قام بصنع أول قطعة موزاييك عام 1860 وذلك بجمع قضبان من الخشب الملون طبيعياً وذات مقطع مثلث أو مربع ثم تشريحها على شكل رقائق ولصقها على المصنوعات الخشبية بالغراء، كما أنشأ مركزا لتصميم وصناعة الموزاييك ضم العديد الشباب الذين تعلموا هذا الفن، وتخرج في ورشته حرفيون شهيرون، حتى بلغ عددهم ما يزيد على ألف شخص، وأدى هذا الكم من الحرفيين إلى انتشار منتجات هذا الفن ورواجه فنيا وتجاريا بشكل كبير.

وقد بدأت هذه الحرفة في العاصمة السورية دمشق بسبب ملاصقتها للغوطة وبساتينها الغنية بمختلف أنواع الخشب بألوانه المتنوعة، فكل نوع خشب له لون مختلف وهذا أساس مهنة الموزاييك، التي انطلقت في تلك الحقبة الزمنية- القرن التاسع عشر- وبدأت بالتطور وإدخال إضافات جديدة حتى وصلت إلى ماهي عليه الآن.

المؤرخ الدمشقي الأستاذ صادق الدوجي قال في حديث ل “سيريا مورس” :

شغف جرجي البيطار لهذا العمل جعله ينقل هذا الفن الشامي من حارته في باب توما الحي الدمشقي العريق لتستقر أعماله في أهم وأعرق الأماكن بالعالم، حتى انها دخلت مقر الأمم المتحدة.

ويضيف الدوجي، لقد ظهر هذا الفن الشعبي العريق على يده كحرفة تعتمد على الشكل المتماسك أو الرسم المصنوع من مكعبات صغيرة الحجم لتعطي شكلا مميزا بزخارف متعددة فنية وجميلة.

شيوخ الكار في حرفة الموزاييك بدمشق يؤكدون أن هذه الحرفة تتميز أولا بأنها حرفة يدوية بحته وتحتاج إلى صبر ودقة وتركيز، إضافة إلى رؤية ابداعية فنية تعتمد بموادها الأولية على أخشاب الغوطة المتنوعة من السرو والمشمش والليمون والجوز والزان، لتشكل لوحة فنية إبداعية تحاكي تراث عميق وعريق.

الموزاييكي أحمد الناعم الشهير ب المعلم أبو بسام بدا قلقا على هذا الفن الأصيل وحذر بحديثه ل “سيريا مورس ” من خطر اندثار هذه المهنة الشامية، ومن صعوبة الحفاظ عليها وعلى تطويرها قائلا: إن أعداد حرفيي الموزاييك تراجعت بعد سفر الكثير من العاملين بها للخارج وذلك بسبب الجهد الذي تتطلبه هذه المهنة، إذ يحتاج إعداد القطعة إلى شهر أو أكثر، مبينا أن ارتفاع تكاليف انتاج هذه التحف إلى عشرات الأضعاف بسبب زيادة تكاليف الانتاج وتدمير الغوطة و أشجارها جراء الحرب والأتاوات والضرائب الكبيرة التي كان يفرضها النظام البائد، إضافةلصعوبة تسويق منتجاتها.

ورغم كل ما تواجهه هذه المهنة الفنية الشعبية من تحديات وصعوبات إلا أنها بقيت أيقونة للفن الدمشقي الأصيل والذي يعكس الذائقة الجمالية الفنية والثقافية لأهل بلد صدروا الحضارة بكل أشكالها وأنواعها لكل أصقاع الأرض.

عبد الله الحمد
عبد الله الحمدhttps://syriamorse.com/author/abdullah-al-hamad/
صحفي ومحلل سياسي – دمشق، سوريا صحفي محترف بخبرة تتجاوز 15 عاماً في العمل الإعلامي وتغطية الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. حاصل على إجازة في الإعلام من جامعة دمشق وعضو في اتحاد الصحفيين في سوريا. عمل في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون وقناة الإخبارية السورية، حيث شغل مناصب تحريرية وإنتاجية منها رئيس تحرير نشرات الأخبار ورئيس قسم المراسلين، وقام بإعداد وتحرير الأخبار والتقارير التلفزيونية وإدارة فرق العمل الصحفي. شارك في تغطية أحداث محلية وإقليمية كمراسل ومحرر، وتميز بقدرته على جمع المعلومات من المصادر الميدانية، والتحقق من دقتها، وصياغتها بشكل موضوعي يلبي المعايير المهنية. تعاون مع وسائل إعلام عربية ودولية كـ BBC، سكاي نيوز، العربية، الشرق للأخبار، والحدث، ويواصل نشاطه الصحفي لتقديم محتوى إخباري وتحليلي موثوق .
مقالات ذات صلة
- Advertisment -spot_img

مقالات أخرى للكاتب