ويبقى المعيار الإنجاز الحقيقي المطلوب تحقيقه فهو ليس تغييرا سياسيا فحسب، بل تغيير إنساني شامل، يشمل الجانب النفسي والأخلاقي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وحتى الديني.
ومن المهم القول أن التغيير السياسي كان ضروريا والمفتاح لما بعده لأن الأنظمة الاستبدادية تعطل مشروعات النهضة عندما تقضي على الإنسان الذي هو الأساس والمرتكز في أي تغيير.
فإذا جزمنا أن التحرير وسقوط النظام البائد هو المفتاح فقط فإن ما بعده أهم مما قبله، وهذه الرؤية تقتضي زيادة الجهد وحشد الطاقات لتعزيز القيم وبناء الإنسان، البناء الأخلاقي والاجتماعي والنفسي والديني الصحيح.
إن المشروع الحضاري لبناء سوريا المستقبل بإنسانها السوي ومجتمعها القويم مهمة كبيرة جداً لا يمكن أن تقوم بها هيئات معينة أو الدولة نفسها، فلا بد أن يساهم فيها كل من مواطن سوري يملك خبرات أوعلما نافعا ووعيا وحكمة وقدرة على الإصلاح والتغيير، بحيث يغطي كل واحد الثغرة التي يستطيع تغطيتها من جهته، فإذا اجتمع القليل مع القليل صار كثيراً وحقق الغاية المنشودة.
وفي ظل التفاهمات السورية داخليا -رغم بعض الشروخ- والدعم العربي والاقليمي والغربي وعلى رأسه العلاقات مع واشنطن فإن هناك فرصة كبيرة تمهد لبناء سوريا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا حتى، كما ينبغي على الحكومة والشعب الاستفادة منها بشكل كبير لرأب الصدوع والهوات الكبيرة التي خلفها النظام البائد في شتى المسارات.
ولاشك بأن الأحداث التي شهدتها سوريا من أحداث مؤسفة في الساحل والسويداء كانت عثرات كبيرة خلفها أجندات خفية لدول وعلى رأسها إيران واسرائيل حاولت العبث بالمشهد السوري واستغلال التحول السياسي والهشاشة الأمنية في بعض المناطق، لكن السلطة السورية استطاعت التعامل معها بشكل موضوعي وحاسم رغم وجود بعض الأخطاء والانزياحات.
ويبقى المشهد الأكثر ثباتا هو محاولات السوريين أنفسهم بإيمانهم بفكرة سوريا الموحدة وبسط سيطرة الدولة على كافة أراضيها.
فهل ستحمل الأيام القادمة مفاجآت سارة لهذا الشعب الذي تعرض طيلة ١٤ عاما لمختلف أشكال القتل والتدمير والاضطهاد .. وهل ستتمكن السلطة الجديدة من الاستفادة من كل الدعم المقدم لها؟
سؤال تجيب عنه الأيام القادمة.