أهمية مشاركة سورية في مبادرة مستقبل الاستثمار في السعودية
تأتي مشاركة سورية في مبادرة مستقبل الاستثمار التي تستضيفها المملكة العربية السعودية كخطوة استراتيجية تحمل أبعادا اقتصادية وسياسية واستراتيجية عميقة. فالمبادرة، التي أصبحت إحدى أبرز المنصات العالمية لرسم ملامح الاقتصاد المستقبلي، تمنح سورية فرصة ثمينة لإعادة التموضع في الخريطة الاقتصادية الإقليمية بعد سنوات من العزلة والعقوبات.
اقتصاديا، تمثل المشاركة نافذة لإحياء التواصل الاستثماري مع رؤوس الأموال العربية والدولية، وطرح مشاريع تنموية في مجالات الطاقة المتجددة، الزراعة الحديثة، النقل، والسياحة، بما ينسجم مع التحولات التي تقودها رؤية السعودية 2030 نحو تنويع مصادر الدخل والاقتصاد الأخضر. كما تتيح لدمشق فرصة إعادة تقديم نفسها كمنصة جغرافية استراتيجية تربط الخليج بالمتوسط، قادرة على جذب الاستثمارات العابرة للممرات التجارية.
سياسيًا، المشاركة تعكس تحولا في المزاج العربي تجاه سورية، وإشارة إلى رغبة حقيقية في إعادة دمجها ضمن النظام الإقليمي عبر أدوات اقتصادية وتنموية بدل المقاربات الصراعية السابقة. هذا الانفتاح يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون القائم على المصالح المشتركة والاستقرار الإقليمي.
أما استراتيجيا، فالحضور السوري في هذه المبادرة يعني الانخراط في النظام الاقتصادي العالمي الجديد القائم على التكنولوجيا، الذكاء الاصطناعي، والاستثمار المستدام، وهي مجالات تحتاجها سورية بشدة لإعادة بناء اقتصادها على أسس حديثة.
وفي سياق آفاق التعاون السوري السعودي، يمكن أن تشكل المبادرة منصة لانطلاق شراكات ثنائية في مشاريع الطاقة والكهرباء، وتطوير الموانئ والمطارات، واستثمار الموارد الزراعية والمعدنية، إضافة إلى التعاون في مجالات التعليم التقني وإدارة المدن الذكية. فالسعودية، بخبرتها المالية ورؤوس أموالها الضخمة، وسورية بإمكاناتها البشرية وموقعها الجغرافي، تمتلكان عناصر تكامل اقتصادي حقيقي يمكن أن يتحول إلى نموذج عربي للتعاون التنموي الفعال.
بذلك، فإن مشاركة سورية في مبادرة مستقبل الاستثمار تتجاوز البعد الرمزي، لتكون إعلانا عن عودة تدريجية من بوابة الاقتصاد لا السياسة، وتأكيدا أن التنمية المشتركة تمثل الطريق الواقعي نحو استقرار المنطقة واستعادة الدور السوري في محيطه العربي.


